صالون الوطن يحتفي بعميد الأدب في ذكرى ميلاده الـ135.. طه حسين رمز وطني وقائد للتنوير – فن
احتفاء بالذكرى الـ135 على ميلاد الدكتور طه حسين، وتقديراً لمسيرته ودوره التنويرى، نظمت «الوطن» الصالون الثقافى عن عميد الأدب العربى، بحضور كل من المهندس حسن الزيات، حفيد الدكتور طه حسين، الفنان مفيد عاشور، والناقد شعبان يوسف، وناقش الصالون أبرز المحطات فى مسيرة طه حسين والقضايا التى شغلته فى كتاباته، وكيف تم تقديم صورة الأديب الكبير فى الدراما، وإمكانية إعادة تقديم أعماله من جديد برؤى معاصرة، إلى جانب موقف الأسرة من إعادة طباعة كتابته وسبل إتاحة هذه الأعمال فى أشكال مختلفة للمتلقى.
استهل الكاتب الصحفى مصطفى عمار، رئيس التحرير، الصالون بالترحيب بالضيوف، الذى يحتفى بالدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، قائلاً: يسعدنا أن نستضيف قامات فكرية وفنية فى «صالون الوطن الثقافى»، للاحتفاء بذكرى أحد رموزنا الوطنية، وأحد قادة التنوير فى تاريخ مصر، والذى نعتبره هرماً من أهرامات مصر التى منحت حضارة هذا البلد تميزها وتفردها.
متابعاً: ويسعدنا أن يكون معنا فى هذا الصالون المهندس حسن الزيات، حفيد الدكتور طه حسين، والفنان مفيد عاشور، والناقد شعبان يوسف، وهذا الصالون يأتى ضمن احتفاء «الوطن» بالرموز الثقافية والفنية، التى تسهم فى رفعة هذا البلد والقوى الناعمة للدولة المصرية، التى مكنت مصر من أن تكون رائدة المنطقة، لتسهم فى تقديم إضافة إلى الحضارة الإنسانية، كما كان حال الحضارة المصرية التى أبهرت بعلومها وفنونها العالم أجمع.
وأكمل «عمار»: الدكتور طه حسين أعماله كانت سابقة لعصره، وما زال إلى الآن وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان على رحيله ما زالت تحدث اشتباكات مع أطروحاته الفكرية والتنويرية. ليبقى عميد الأدب بما قدمه من إبداع وأفكار تستحق الاحتفاء، هذا إلى جانب الدور الذى لعبه طه حسين فى تبنى قضايا اجتماعية أسهمت فى النهوض بمجتمعه وأمته.
حسن الزيات: جدى كان عاشقاً لـ«العربية» وللأمة.. وحكى لنا القصص الشعبية فى طفولتنا وتعلمت منه قيمة الحرية كشرط للاستيعاب والمعرفة
وتحدث المهندس حسن الزيات، قائلاً: جدى طه حسين كان إنساناً حنوناً، فهو القلب الكبير الذى يحب عائلته وزوجته حباً من دون حدود، وكان يستقبلنى أنا وأشقائى بحفاوة بالغة، ويحكى لكل منا مجموعة من القصص الخاصة والمناسبة له، وقد تعلمت منه الكثير من خلال القصص التى كان يحكيها لنا، يحكى لى من القصص الشعبية قصة «الشاطر حسن»، وكيف يأمن مكر «أمنا الغولة» بالانتباه إلى الجانب الخير فى هذا الكائن، والعبرة منها أنه لا يوجد شخص شرير 100% أو العكس، وأن أى شخص فيه أمل أن يكون به جانب خير.
متابعاً: وما تعلمته منه أيضاً قيمة الحرية، التى تعد شرطاً للاستيعاب والمعرفة الحقيقية، فقد كان حراً فى تفكيره، وفى الحث على الاطلاع على مصادر المعرفة، كما كان يعشق لغته العربية ويحب دينه ويحب الأمة العربية. ويبدى «الزيات» دهشته من الجد: أنا أستغرب أن شخصاً واحداً (حياته نحو 80 عاماً)، استطاع أن يمتد أثره وتأثيره إلى الآن، والاهتمام ليس بالتعليم فقط ولكن بالعلم أيضاً، وبالاطلاع على شتى مجالات المعرفة.
مفيد عاشور: عندما قدمت شخصيته للمسرح قلت لأصحابى لا تقارنونى بمحمود ياسين ولا أحمد زكى وإنما بالأصل
ثم انتقل الحديث إلى الفنان مفيد عاشور، باعتباره من الفنانين القلائل الذين جسدوا شخصية طه حسين فى الدراما المصرية، حيث جسد مفيد عاشور شخصية طه حسين مرتين، من خلال مسرحيتى «رحلة التنوير»، فى 1992، و«الأيام» عام 2012، وكشف عن علاقته بالدكتور طه حسين: تربطنى به علاقة قديمة، وأذكر أننى فى الثانوية كان مقرراً علينا كتاب «الشيخان» ثم قصة «الأيام»، وأنا كنت فى القسم العلمى وكان لدينا وقتها التليفزيون والراديو، فى السبعينات كنت أميل إلى الاستماع للراديو، وكانت إذاعة صوت العرب تذيع مسلسل «أديب»، وخلال المذاكرة جذب أذنى صوت الدكتور طه حسين فى تعليقه على المسلسل.
ويسترجع «عاشور» الذكريات كأنها حية: حرصت على ضبط المؤشر لمتابعة الحلقات يومياً بشغف، ولم أكن أعرف أن بداخلى بذور التمثيل، وبدأت أكتب جملة أو سطراً من تعليق الدكتور طه حسين على المسلسل، إلى أن انتهى العمل، وما زلت أحفظ منها الكثير، فقد كان يقول بصوت فخم: «هذه قصة ليس فيها شىء من الخيال، وإنما أقصّ شيئاً قد وقع، أقصه كما وقع وفى المكان أو الأماكن التى وقع فيها، وليس فيها شخص مخترع ولا قصة مخترعة، وإنما هى حقيقة كما قلت، وأنا أشكر من هيأها للإذاعة، وأذكر لصوت العرب هذه الفكرة التى لم تكن قد خطرت لى قط.. طه حسين».
ويسرد الفنان: ومن بعدها بدأت قراءة بقية أعماله، ولأنى فى الأساس تربية كتاتيب، استهوتنى لغته المتميزة، وبعدما أنهيت دراسة الثانوية العامة دخلت كلية الهندسة، وبدأت أشتغل مسرح، وبعد الانتهاء من دراسة الهندسة التحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، وتخرجت فى المعهد فى 1990، وفى عام 1992 كان الدكتور حسين جمعة يقدم مسرحية بعنوان «رحلة التنوير»، واختارنى لعمل دور طه حسين، ولا يمكن تخيل كم السعادة التى انتابتنى وقتها!
والمسرحية من فصلين، أحدهما عن طه حسين، ولا أحد يعرف السر الدفين والعلاقة التى تربطنى بالدكتور طه حسين، وهذه الشخصية التى قدمها من قبل الأستاذان أحمد زكى فى «الأيام» ومحمود ياسين فى فيلم «قاهر الظلام» كانت تحدياً، فقد كنت فى بداياتى فى العشرينات وقتها، وأذكر أنى لما ذهبت إلى البروفة ولما بدأت أشتغل على الدور، أصحابى قالوا لى على سبيل النصح: أنت تكتب شهادة وفاتك كممثل، فأن تقدم طه حسين بعد أحمد زكى ومحمود ياسين فأنت تنتحر.
ويوضح: لم يكونوا على دراية بالعلاقة الوجدانية التى بينى وبين الرجل العظيم، وأنى أحبه منذ سنوات بعيدة. وكنت أقول لهم لا تقارنونى بمحمود ياسين ولا أحمد زكى، ولكن قارنونى بالشخصية الأصل.
أنا قدمت شخصيات تاريخية غير معاصرة، منها جمال الدين الأفغانى وأمية بن خلف، وأنا أتخيل الشخصيات التاريخية كما يحلو لى من واقع الأحداث وفهمى للشخصية، إنما الدكتور طه حسين فقد كان معروفاً للناس من خلال اللقاءات التليفزيونية، ولذلك فقد قرأت كتاب «معك» إلى جانب قراءتى كتب طه حسين، ولفت نظرى جملة مهمة جداً، وهو يقول عن سوزان: «منذ أن سمعت صوتها لم يدخل الحزن إلى قلبى»، فقد كان يرى ويحس بها.
وعن باقى الاستعدادات ذكر «عاشور»: بدأت مذاكرة الدكتور طه حسين وكيف كان يجلس وكيف يتكلم وكيف ينفعل، كنت أقرأ كتبه بصوته لأنه كان يُملى ما يكتب، لكى أستوعب الشخصية بكافة أبعادها، وأتمكن من تجسيدها. وصوته له جرس تحبه ويستهويك، وأتصور أنه كان يستهويه هو أيضاً، وأنا وصلت لمرحلة أنى كنت أشعر أن صوته يستهويه هو شخصياً، أما على المستوى الفنى فقد كنت مستمتعاً أيما استمتاع بهذه التحضيرات.
وروى الفنان مفيد عاشور كواليس مسرحية «الأيام» من إنتاج 2012: كانت هذه المرة الثانية التى أقدم فيها شخصية طه حسين، «رحلة التنوير» على المسرح القومى، أما المرة الثانية «الأيام» فقدمناها على مسرح البالون فى وقت تحولات فى 2012. وعرضنا المسرحية على مدار 30 ليلة، وكان من الممكن أن تستمر لوقت أطول لكن وقتها الظروف الأمنية والسياسية كانت بالغة الصعوبة فى مصر. ما بين المظاهرات والاحتجاجات، وهذه المسرحية للأسف لم يتم تصويرها.
وتحدث عن تمثيل شخصية الكفيف وقال: كنت أغمض عينىّ منذ مغادرة حجرتى بالمسرح إلى دخولى فى الكواليس وأنتظر شخصاً يسحبنى لأدخل فى الشخصية وأنا أغمض عينىّ لأتحول للشخصية، ومن كثرة القراءة فى تفاصيل الدور لشخصية حقيقية شاهدها الناس، ولأشعر أن الفراغ من حولى له كتلة، وينقلنى إلى عالم متخيل، وليكون كل إحساسى مع الصوت، كما كنت أتمثل جلسته، ومن خلال الصور لاحظت أنه لا يمكن أن يتأبط ذراع أحد، فلا أحد يقوده وإنما هو من يقود. ولأن الممثل يبعث الروح فى الشخصية، وفى اللحظات الأولى كنت مرعوباً، وكنت شاباً صغيراً، خاصة أنه من الوارد مقارنتى بأحمد زكى ومحمود ياسين، لكن لما أشاد نقاد المسرح بدورى فى عدد من المقالات، أحسست أننى ناجح، وحسب الدور لى لا علىّ.
شعبان يوسف: معجزة العصر بكل المقاييس.. وفقدانه للبصر فى طفولته أدى لنمو موهبة الخيال لديه وساعده على استيعاب العالم
والتقط الناقد شعبان يوسف طرف الحديث متتبعاً مسيرة عميد الأدب العربى: طه حسين بالنسبة لى هو معجزة العصر بكل المقاييس وبدون أى مبالغة، وهو أحد الكتاب الليبراليين محبى الحرية والتقدم والديمقراطية، وعندما درست «الأيام» وجدته عملاً لا يمكن أن تنتشل نفسك من الافتتان به، فهو عمل فيه إيقاع شعرى منذ المفتتح «لا يذكرُ لهذا اليوم اسماً، ولا يستطيع أن يَضعَه حيثُ وضعه الله من الشهر والسنة»، هذا إلى جانب الأحداث والمفاجآت الصادمة التى لا تُنسى.
وتوقف «يوسف» عند طفولة الدكتور طه حسين، ومن وقت إصابته بفقدان البصر، نمت عنده موهبة أخرى وهى موهبة الخيال، وأعتقد أن قيمة الخيال كانت الدافع الأول لأن يستوعب طه حسين العالم منذ بداياته ثم انتقاله إلى الأزهر إلى مختلف مراحل حياته، ثم يكتب مع أحمد لطفى السيد، ومع عبدالعزيز جاويش، ثم يدرس اللغة الفرنسية، وجميعها ناتجة عن أمرين، الخيال بشكل مبدئى ثم التحدى، طبقاً لنظرية التحدى والاستجابة لأرنولد توينبى.
موضحاً: فالاستجابة للتحدى كانت الدافع الأكبر لأن يكتشف أشياء مختلفة، وحتى رحيله كانت رؤيته سباقة، هو ونجيب محفوظ تميزا بهذه الميزة وهى استشراف المستقبل. وظل الاثنان سبّاقين للعصر ولمعاصريهما، كل منهما إلى آخر لحظة فى حياته.
وطه حسين تميز بهذه الميزة منذ مقالاته الأولى ثم كتابه «فى تجديد ذكرى أبى العلاء» فى 1915، وكتبه باللغة العربية، ثم كتابه عن ابن خلدون فى 1918، والذى كتبه بالفرنسية، وترجمه الدكتور محمد عبدالله عنان، ومنذ ذلك الوقت وطه حسين، كما قست عليه الحياة وعلمته، هو أيضاً استطاع أن يواجه المجتمع بملاحظاته وبوضوح، فكتب كتاب «قادة الفكر» عام 1920، والذى كان يرى فيه أن الثقافة العربية ينقصها تعلم قيادات الرأى.
والتقى مع ثورة 1919، وكان أحد الثوريين الكبار فى ذلك الوقت، وقتها أصدر عدة ترجمات عن الأدب التمثيلى (مسرحيات فرنسية) وكان حجة فى اللغة، فكان يكتب بلغة فصيحة ومتينة. ويشير شعبان يوسف إلى أن السنوات العشر من (1920 إلى 1930) كانت فترة مهمة فى الثقافة المصرية: عاشت مصر فيها حالة من الليبرالية. فقد جاء كتاب «الإسلام وأصول الحكم» فى 1925 للشيخ على عبدالرازق، ثم كتاب «الشعر الجاهلى» عام 1926، قلب عليه الدنيا وإلى الآن، هذا إلى جانب مقالاته المهمة فى مجلة «السياسة» الأسبوعية، فقد كان طه حسين نابغة صحفياً.
وتدخل «الزيات» قائلاً: وبمناسبة المقالات المهمة التى لا تكامل لدراسة طه حسين إلا بدراستها، أحب الإشارة إلى أننا أصدرنا الأعمال الكاملة ومن 11 سنة بمناسبة الذكرى الأربعين على وفاته، حيث اتفقت الأسرة مع مؤسسة هنداوى الثقافية على نشر الأعمال رقمياً، وهى موجودة مجاناً على الإنترنت ومتاح تحميلها للقراء. وكم نود أن ننشر المقالات، وكانت دار الكتب قد نشرت منذ نحو 25 سنة كتاب تراث طه حسين فى 6 مجلدات.
وتابع «الزيات»: وقد تواصلت مع الأربعة المشرفين على المجلدات وجميعهم وافقوا، فأنا لا أرغب فى نشر المقالات من دون الإشارة إلى المجهود الضخم لهؤلاء الأساتذة الذين تعبوا فى تصنيفها وترتيبها، لذلك يهمنا موافقة دار الكتب على النشر الإلكترونى، لأن هذه المجلدات لم تعد متاحة ورقياً، مشيراً إلى أن قصور الثقافة أيضاً نشرت سلسلة طه حسين فى قصور الثقافة من دون الرجوع إلى الأسرة كأصحاب حقوق ملكية، وطالب فى مداخلته دار الكتب بالموافقة على نشر تراث طه حسين إلكترونيا على «هنداوى» بدون مقابل، لإتاحته للجمهور مجاناً، أى مطلوب من دار الكتب الموافقة على نشر تراث طه حسين إلكترونياً على هنداوى (بدون مقابل).
واتفق الناقد شعبان يوسف مع «الزيات» على أهمية تقديم هذه المقالات لدارسى طه حسين وللثقافة العربية، مؤكداً أن كتابات طه حسين ما زالت صالحة للتقديم والدرس والبحث فى المدارس والمؤسسات العلمية، وأعتقد حتى الآن نحن ما زلنا نحتاج إلى مثل مقالات كتاب «ألوان» فهو كتاب مهم، علينا أن نقدم مختارات من كتاباته بما يناسب كل مرحلة عمرية من دون التغيير فيها.
منوهاً: أنا ضد العبث بكتابات طه حسين أو تحويلها لما يسمى كتابات عصرية، لأنه أيقونة، كما نرى حالياً الشباب يقرأون روايات 600 صفحة حالياً، فلا نظلم الشباب، فهم قادرون على قراءة وفهم أعماله بسبب سهولة لغته.
وأبدى مفيد عاشور اعتراضه عن إمكانية إعادة تقديم أعمال ما أنتج من روايات طه حسين، قائلاً «ولا تقربوا دعاء الكروان»، فقد صارت أعمالاً أيقونية لا تتطلب المساس بها. وبدوره اعترض شعبان يوسف على رأى مفيد عاشور قائلاً: «نحن إلى الآن نقدم الملك لير وغيرها من أعمال شكسبير برؤى إخراجية جديدة فى أزمنة مختلفة، فلماذا لا نقدم دعاء الكروان أو غيرها من أعمال طه حسين برؤى إخراجية جديدة؟»، فيما برر «عاشور» وجهة نظره بقوله: «تجارب إعادة تقديم الأعمال أثبتت فشل العمل الثانى وتم تشويه الأعمال الفنية». واستدرك شعبان يوسف: يمكن اختيارها لتدريسها فى المدارس، مثل قصص «المعذبون فى الأرض»، ونعلم جميعاً أنها نُشرت فى عام 1949 ثم صودرت، وكذلك كتاب «على هامش السيرة» وغيرها من الأعمال، لأن أسلوبه سلس وممتع، وكتاباته تنطوى على جماليات متعددة، لافتاً إلى أن طه حسين وجهة نظره العامة أنه لا يوجد مقدس فى الكتابات بشكل عام ما عدا الكتب المقدسة، فقد توصل إلى حدوث انتحال للكتابات ونسبها للشعر الجاهلى من العصر الأموى، مشيراً إلى معركة فى الشعر الجاهلى التى أدت به إلى خوض معركة ضارية مع الرجعيين وحراس التخلف، واضطر فيما بعد إلى التنازل عن بعض مما جاء فى هذا الكتاب ليطبع كتابه الآخر «فى الأدب الجاهلى» تحت ضغط سطوة الرجعية، التى كانت تمثل قوة شديدة جداً، خاصة بعد فصل على عبدالرازق من الأزهر. وظل يعانى طه حسين من قسوة الهجوم عليه، فكتب نتيجة ذلك «الأيام» فى 1927 رداً على الهجمة الشرسة، ولم يتوقف الهجوم عليه إلى أن خرج من الجامعة.
وقال مفيد عاشور: حالياً هناك قطع تام وكامل ما بين الأجيال الجديدة واللغة العربية، (ولا تقربوا اللغة العربية)، كنا نقدم من قبل مسلسلات تاريخية ودينية باللغة العربية، لذلك كانت اللغة قريبة من الأذن. ويحدث تواصل بين أداة السمع واللغة المنطوقة فيحس المتلقى أنها لغة سهلة، وبعد التوقف عن المسلسلات حدثت قطيعة مع اللغة بين المشاهد واللغة، هذا إلى جانب الاهتمام بالتعليم الأجنبى.
مشيراً إلى جوانب من عمله فى الصحافة: رفض تولى رئاسة تحرير مجلة «الشعب» لسان حال حكومة إسماعيل صدقى آنذاك، لكنه قبل الإشراف على الصحافة الثقافية لحزب الوفد فى الثلاثينات، برغم أنه لم ينتم عضوياً إلى الحزب، ولا فى أى حزب، كما كان أول من قدم كتاباً كباراً فى مجلة «الكاتب المصرى»، مثل كافكا وجان بول سارتر ومعظم الكتاب الفرنسيين.
وتحدث المهندس حسن الزيات عن عائلة وتراث طه حسين وقال: شقيقتى سوسن مقيمة فى مصر، وابنة خالى أمينة مقيمة وتعمل فى باريس، وكل الأوراق التى كانت موجودة لدينا أهدتها جدتى لدار الكتب، أما تراث طه حسين فجميع المقتنيات موجودة فى المتحف بالهرم، الذى كان بيت جدى، وأعرف كافة تفاصيله جيداً، لقد كنت دائم التردد عليه إلى أن توفيت جدتى سوزان فى 1989، وحالياً تحول إلى متحف يتبع وزارة الثقافة، ووالدى اتفق مع الوزارة على أن كل ما هو موجود فى المنزل سيبقى موجوداً فى المتحف، وأرى نشاطاً مستمراً فى الموقع، وهناك عناية بالمتحف بصورة جيدة، لكنى طالبت الوزارة بتعديل بعض التعليقات الموجودة على المقتينات. (الوزارة اشترت المبنى من 32 عاماً لكنها لم تنته من التسجيل إلى الآن). كما تصل إلىّ أخبار عن احتفالات فى قطاع الوزارة بذكرى طه حسين، ونشترك فى هذه الفعاليات عندما يُطلب منا المشاركة.
وفيما يخص الترجمة قال «الزيات»: أنا أترجم حالياً رواية «دعاء الكروان» إلى الإنجليزية، وشقيقتى الراحلة منى ترجمت عدداً من الأعمال، منها «المعذبون فى الأرض، وشجرة البؤس»، ووالدتى أمينة وخالى مؤنس اشتركا فى ترجمة «أديب» إلى الفرنسية.
وعن الأعمال المكتوبة عن العميد، قال «الزيات»: من الكتب التى قربتنى لجدى كتاب «ما بعد الأيام» لوالدى محمد حسن الزيات، الذى يتضمن سيرة لجدى من بعد عودته من باريس إلى وفاته، وكتاب «معك» لجدتى سوزان بريسو، فيتضمن جانباً إنسانياً مهماً من سيرة طه حسين، وقرأت فيه حكايات لم أكن أعرفها لأنها حدثت قبل مولدى.
وعن سبب عدم تقديم الحفيد لكتاب عن طه حسين قال: «أنا مهندس فى الأصل ولست كاتباً»، وذكر: «ابن طه حسين عندما سُئل عن سبب عدم كتابته باللغة العربية أجاب: كيف أجرؤ على الكتابة باللغة العربية وأبى طه حسين!» فما بالكم بالحفيد!