هكذا يصل «اللبن» من الريف إلى المدن.. من تاجر لآخر حتى «السوبر ماركت» – تحقيقات وملفات
مع الساعات الأولى من الصباح يبدأ حامد السيد (17 عاماً)، ابن قرية سنجلف، مركز الباجور بمحافظة المنوفية، جولته اليومية بـ«الترويسكل» المملوك لوالده، لجمع اللبن من الفلاحين وصغار مربى الماشية المنتجة للبن، فى قريته وبعض القرى المجاورة، ليضعها فى أوانٍ كبيرة، أو ما يُعرف بـ«قسط اللبن» الذى يتسع لـ50 كيلو.
الكميات القليلة المتناثرة من اللبن التى يجمعها «حامد» من كل فلاح أو مربى على حدة، بسعر 25 جنيهاً لكيلو اللبن الجاموسى، تتراكم شيئاً فشئياً لتملء «قسطاً»، وراء «قسط»، إلى أن يصل فى النهاية إلى كمية مناسبة، يذهب بها لاحقاً إلى نقطة محددة، حيث يبيعها لتاجر أكبر يأتى لشراء اللبن من المنوفية لبيعه فى القاهرة الكبرى. وبينما كانت بيانات الأرصاد تشير يومها إلى أن درجة الحرارة العظمى 35 درجة مئوية، تحدث «حامد» عن أن المشكلة الرئيسية التى تواجهه فى عمله، هى «الحرارة المرتفعة» صيفاً، خاصة أنه لا يوجد لديه مصدر أو وسيلة لتبريد الألبان التى يجمعها خلال الطريق، وهو ما يؤدى أحياناً لإفساد جانب منها، يُقدره تقريباً بـ«5 كيلوجرامات مقابل كل 50 كيلو يجمعها»، حسب قوله.
«سامى»: الصيف عدونا الأول و«اللبن ساعات بيبوظ وبنرميه»
بالقرب من نزلة الطريق الدائرى الإقليمى، على طريق «الباجور – القناطر الخيرية»، وفى حوالى العاشرة صباحاً، التقى «حامد»، بكل من محمد سامى، وسعد كمال، اللذين يتشاركان فى «معمل تجميع ألبان» بمنطقة فيصل بالجيزة، ليبيع لهما كل ما جمعه من لبن خلال رحلته الصباحية، ليتوليا بدورهما نقله بسيارتهما نصف النقل، ثم توزيعه على محال مناطق «فيصل، والهرم، والكيت كات»، حسب قولهما.
يقول محمد سامى، بينما كان يقف بجلبابه مستنداً على سيارته نصف النقل، فيما يقوم آخرون بتفريغ الألبان فى «أقساط اللبن» التى تعلو السيارة: «بنلف نشترى اللبن من الريف من أكتر من 10 سنين»، لافتاً إلى أنه يأخذه من التاجر الذى يجمعه من الفلاحين بـ 28 جنيهاً للكيلو، ليبيعه لاحقاً بـ 30 جنيهاً لمحال الألبان فى الجيزة التى تبيعه بدورها بأسعار تبدأ من 34 جنيهاً للكيلو وتصل فى بعض المحال إلى 40 جنيهاً.
يعرف «سامى»، الذى ورث المهنة عن والده، أيضاً أن حرارة الصيف هى عدوه الرئيسى، مشيراً كذلك إلى أن «اللبن ساعات بيبوظ وبنرميه»، ولذلك يحاول الوصول هنا والمغادرة مبكراً قبل اشتداد الحر «لحد ما نروح نحط اللبن فى المبرد»، لافتاً إلى أن «السيارات التى تحتوى على مبرد» يصل سعرها لأكثر من مليون جنيه، فى حين أنه لا يعرف «سكة البنوك والقروض والأقساط وشروطها»، حسب تأكيده.
يلتقط شريكه سعد كمال طرف الحديث، متحدثاً عن حرصهما على «نظافة اللبن وسرعة وصوله بشكل سليم»، رغم عدم وجود سيارة مزودة بتانك مبرد بحوزتهما، أما عن الأمور المادية فيقول: «إحنا بيطلعلنا 2 جنيه فى كيلو اللبن، جنيه منهم بيروح للجاز (فى إشارة لتكلفة وقود السيارة)»، مضيفاً: «نتمنى الحاجة ترخص عشان نعرف نبيع، ونجيب عربية جديدة، ونكبّر المشروع».
حاول مُعد التحقيق لاحقاً، عبر اتصال هاتفى، ترتيب زيارة للمعمل المملوك لكل من «سامى» و«سعد»، فى منطقة فيصل، للتعرف على كيفية العمل به ومتابعة بقية رحلتهما لتوزيع اللبن على المحال، إلا أن سامى اعتذر عن ذلك بشكل قاطع، قائلاً: «إحنا وافقنا نتكلم معاك الأول، لكن كفاية كده»، معللاً ذلك بأن المحال التى يتعامل معها قد يقطعون تعاملهم معه عندما يرون صحفياً معه، قائلاً: «معلش.. انسى إنك عرفتنا».