آخر الأخبارأخبارأخبار العالم

لا تتخلف عن الرَّكب | صحيفة المواطن الإلكترونية

“اللهُم اللُّطف دومًا وأبدًا” بهذه العبارة أبتدئ الحديث وأختمه عندما أقابل المرضى وأثناء المرور اليومي داخل أروقة المستشفى وأجنحة التنويم؛ فهي الجّوْهر لكيان (الطب التلطيفي)، ولأن الرعاية التلطيفية حق مكفول لجميع المحتاجين؛ وبالتالي أصبح شعارًا لليوم العالمي للرعاية التلطيفية ودُور التَّكّيَة.

شهر أكتوبر من كل عام يحمل رسالةً نقيةً تعكس أهمية هذا النوع من الرعاية الصحية، وحيث إن التاسع من أكتوبر لهذا العام 2021 يصادف هذا اليوم الصحي بامتياز والذي يحمل شعار (لا تتخلف عن الرَّكْب.. المساواة في الحصول على الرعاية التلطيفية)، هذه لمحة يسيرة حول هذا التخصص الطبي المميز وفلسفته.

الرعاية التلطيفية: هي النهج العلاجي الشمولي والذي يهدف إلى تحسين جودة حياة المرضى (البالغين والأطفال) وأُسرهم ممن يواجهون مشاكل مرتبطة بأمراض تهدد حياتهم كأمراض القلب المتقدمة، الأورام، وأمراض الرئة المستعصية، وكذلك نقص المناعة المكتسب وغيرها. وهي تتيح توقّي المعاناة وتخفيفها بفضل التعرّف المبكر على الألم وغيره من الأعراض، سواء كانت جسدية أو نفسية- اجتماعية أو روحية، وتقييمها وعلاجها على نحو سليم.

ويُعترف بالرعاية التلطيفية صراحةً بموجب حق الإنسان في التمتع بالصحة. وينبغي أن تُقدَّم في إطار خدمات صحية متكاملة محورها الإنسان، وهي أيضًا تولي اهتمامًا خاصًّا لاحتياجات كل فرد وتفضيلاته على اختلاف أنماطها.

تنطوي معالجة المعاناة على مراعاة مسائل تتجاوز مجرد الأعراض الجسدية. نهج العمل الجماعي التكاملي هو الفلسفة والنمط المتّبع في دعم المرضى والقائمين على رعايتهم، ويشمل ذلك تلبية الاحتياجات على اختلاف جوانبها وطبيعتها وتقديم المشورة في حالة الفجيعة. وتوفر نظام دعم لمساعدة المرضى على العيش والعمل على تحسين جودة الحياة لهم حتى وفاتهم والاهتمام بأقاربهم أو من يقوم على رعايتهم بعد تلك الفترة أيضًا.

تشير التقديرات إلى أن 40 مليون شخص يحتاجون سنويًّا إلى الرعاية التلطيفية، وأن 78% من هؤلاء يعيشون في البلدان المنخفضة- متوسطة الدخل. ويعيش 98% من الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية التلطيفية في البلدان المنخفضة- متوسطة الدخل، وما يقرب من نصفهم في إفريقيا*.

على الصعيد المحلي والعالمي، يجب تخطّي عدد من العوائق والتحديات الكبيرة حتى يتسنى تلبية الاحتياجات غير الملبّاة من الرعاية التلطيفية، على سبيل المثال: السياسات والنظم الصحية، التدريب المهني حول تقديم تلك الخدمات ضمن الأطر التكاملية، إضافة إلى توفر الخدمات التشخيصية والعلاجية وأيضًا الدوائية: كالأفيونات وغيرها.

ومن بين التحديات التي تواجه الرعاية التلطيفية تباعًا: الحواجز الثقافية والاجتماعية، كالمعتقدات المتعلقة بالموت والاحتضار. ومن بين المفاهيم الخاطئة حول الرعاية التلطيفية، كالاعتقاد بأنها لا تُقدّم إلا لمرضى الأورام أو في الأسابيع الأخيرة من حياة المريض.

كذلك الفهم الخاطئ حول تحسين إتاحة الأفيونات (لتسكين الألم) سيؤدي إلى زيادة تعاطي مواد الإدمان وبالتالي حدوثه.

هذه السلوكيات وعلى الرغم من عدم صحتها إلا أنها تعكس مستوى المعرفة بحقيقة هذا النمط من الرعاية التخصصية في مستواه والشمولية في طابعه وجوانبه والعمل على رسم الإستراتيجيات لرفع مستوى الوعي والمعرفة.

ماذا يمكن أن نفعل؟

تقع على النظم الصحية مسؤولية دمج الرعاية التلطيفية في سلسلة الرعاية الصحية المقدمة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة متقدمة أو مهددة للحياة وربطها ببرامج الوقاية من المرض والكشف المبكر عنه وعلاجه. وحيث إن مفهوم الرعاية التلطيفية ليس بالحديث بل يذكّرنا التاريخ بأن نشأته في أوائل القرن التاسع عشر، وأيضًا تم بناء تَكّيَة سانت كريستوفر- لندن في العام 1967 من الميلاد، ولكنه يتطلب المزيد من الجهود والتكاتف لرفع مستوى التوعية والتثقيف للعاملين بالمجال الطبي وأيضًا لكافة أطياف المجتمع وشرائحه. ومن هذا المنطلق وما توليه حكومة المملكة العربية السعودية- حفظها الله- من اهتمام بصحة الفرد والمجتمع وتماشيًا مع رؤية المملكة المباركة 2030، حيث أُدرج مفهوم الرعاية التلطيفية كأحد المسارات الرئيسية ضمن النموذج الصحي المحدّث لبرنامج التحول الوطني في القطاع الصحي**.

دُور التَّكَيّة- الهوسبيس هي أحد مراحل الرعاية الصحية ضمن المنهجية التلطيفية الشمولية وهي تُعنى بالاهتمام وتقديم الرعاية التي ترتكز على تسكين الأعراض الجسدية والدعم النفسي- الاجتماعي وأيضًا الاهتمام بالجانب العاطفي وكذا الروحي، وعادة ً ما يكون ذلك آكد في المراحل الأخيرة من حياة الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة متقدمة أو مهددة للحياة.

التَّكّية هي شبيهة بدُور رعاية المسنين من حيث التسلسل ضمن الهيكلة التنظيمية للنظم الصحية، ولكن هي تابعة لمنهجية الرعاية التلطيفية من حيث المبدأ وآلية تقديم الرعاية فهي تهتم بتقديم الرعاية الطبية الشمولية كأسلوب رعاية بديل للإجراءات الشاقة والتي من المحتمل أن تتسبب بآثار عكسية، مزيدًا من الأعراض المزعجة أو ما لا يتماشى مع أهداف المريض.

“الأمل” وهي أيضًا عبارة تحمل المفهوم الحقيقي للرعاية التلطيفية وتختصره من خلال هذه النقاط:

الألف: أعلى مستوى ممكن لتخفيف الألم والأعراض الأخرى وتحسين جودة الحياة.

الميم: مستوى عالٍ من الدعم لك ولأسرتك خلال رحلة المرض والمعاناة متى ما وجدت.

اللام: لن ندّخر وسعًا في بذل الرعاية النفسية الاجتماعية وكذلك الروحية.

ختامًا أرجو من العلي القدير أن يديم الصحة والعافية على الجميع.

 

* منظمة الصحة العالمية

** الدليل التعريفي ببرنامج التحول الوطني في القطاع الصحي

 

نائب أول في الطب الباطني

طبيب زميل– الرعاية التلطيفية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock